بطولة أم فحولة! - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


بطولة أم فحولة!
معتز أبو صالح - 25\03\2013

من الواضح أن الجولان السوري المحتل يتعرض منذ انطلاق الثورة في سوريا إلى زوبعة يختلط فيها الحابل بالنابل، مما حدا ببعض العناصر المهمشة إلى الصراع على حيازة الصدارة في فرض المواقف في الجولان.
يمكن القول إن الغالبية في الجولان المحتل تمارس الحيادية في المواقف السياسية، ما عدا المواقف الجماعية في مقاومة الاحتلال وردود الفعل على بعض ممارسات السلطة الاسرائيلية، فنرى أن الممارسات السياسية محصورة على فئات معينة لكل منها توجهها وقناعاتها الخاصة، وهنا أتحفظ على عدم ذكر الإيديولجيا، فهذا المصطلح يحتاج إلى بلوغ فكري لم نصل إليه حتى الآن وبغض النظر عن مدى مصداقيتها، أقصد الإيديولجيا، ومدى صوابها.
ليس من الضروري أن يكون المجتمع مسيسًا أو فاعلاً في السياسة بأجمعه، لكن هذا القول ينطبق على مجتمعات فيها هيئات سياسية تمثلها، إما بالاتفاق أو بالانتخاب. أما في الجولان فالأمر مختلف إلى درجة الإرباك، نظرًا لعدم الإمكانية في إيجاد هيئات تمثل الجميع، أو مرجعيات في الحد الأدنى. لقد تعودنا، سيما منذ عام 82، على كون المؤسسة الدينية "الخلوة" وعاء للقرارات والممارسات في الجولان، وليس اتخاذ القرارات، فكل ما صدر عن الخلوة من قرارات سياسية هو نتاج لحوارات من جميع الفئات الفاعلة، وفي كثير من الأحيان كانت الخلوة هي الناطق بالقرار وحسب.
أما في الوقت الحاضر فهذه الصيغة لم تعد عملية، وذلك لعدة أسباب أهمها أن المؤسسة الدينية أصبحت بعيدة عن الواقع الجولاني، وغير قادرة من ناحية نضوجها الفكري على مجاراة سيرورة الحياة في الجولان، عدا عن مشاكلها الخاصة التي تتمثل بزعامتها والتي، برأيي، ليست أهلاً للقيادة. ومن ناحية أخرى، لم يتمكن "العلمانيون" في الجولان من خلق إطار سياسي موحد، على الأقل في تمثيل المجتمع الجولاني، مع احترام الاختلاف. ففي المجتمعات الديموقراطية قد يصل الأطراف إلى التناحر الفكري لكنهم في النهاية يتوحدون في القرار ويتجندون له. وهذا للأسف ما نفتقده في الجولان، فالتناحر في المواقف يؤدي بأصحابه إلى زرع الأحقاد، إلى درجة العنف، كما نشهد في الآونة الأخيرة، فقد أصبح الصراع في كثير من الأحيان صراع عضلات وليس أدمغة، وإن كان في الأدمغة فبطريقة النطح وليس الحوار، وأقولها وبكامل الوعي أن الأمور قد تصل إلى أبعد من ذلك بكثير في دمويتها.
ليس قصدي في هذه المقالة إدانة أحد، لكن لا يمكنني تجاهل الحقائق، فأنا كمتفرج في المشهد السياسي الجولاني أستطيع القول، وبكل ثقة، أن من يذكي نار العنف والشرذمة في الجولان يتمثل بالمجموعة التي تؤيد النظام السوري في معركته، والذين يحاولون اختلاق معركة في الجولان بالنيابة عن النظام. من المنطقي أن يكون هناك انقسام في الآراء ووجهات النظر، في إدانة النظام أو دعمه، لكن من الخطأ أن يكون هذا الانقسام دمويًا، ومن الخطأ أيضًا أن تحاول مجموعة ما فرض موقفها على الآخرين. وهذا بالضبط ما نتعرض له في الآونة الأخيرة، صراع حول السيادة في الجولان، وللأسف صراع همجي متخلف لا يعبر عن المجتمع الجولاني، فمجتمعنا في حياته الاجتماعية والثقافية أرقى بكثير من الصراعات السياسية.
أثارني إلى درجة الاستفزاز ما حدث في ملعب مجدل شمس قبل أيام، وفي الحقيقة هذا ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة. مجموعة ممن يظنون أنفسهم قياديين في الجولان، وعلى رأسهم سجناء أمنيين محررين، قاموا بالهجوم على أطفال يلعبون كرة القدم وطردهم بشكل عنيف من الملعب، على خلفية رفض انخراط الرياضة الجولانية بالرياضة الاسرائيلية. قد لا أختلف مع هؤلاء "القياديين" بالمبدأ، لكنني أختلف معهم بالممارسة، فعملية الهجوم "البطولية" التي قاموا بها لا يمكن وصفها إلا بالهمجية، عدا عن التفرد بقرار في نتيجته يمثل كل الجولانيين وبتنفيذه يمثل مجموعة قد تكون مرفوضة من قبل الكثيرين.
ليس من الصعب تفسير موقف كهذا من قبل تلك المجموعة، فهو بظني نابع من الرغبة في فرض أنفسهم على الساحة الجولانية بأي شكل من الأشكال، وهنا أوجه لهم الأسئلة التالية:
لماذا وعيتم الآن بالذات لهذه الظاهرة؟
لماذا اعتبرتم أنفسكم أوصياء على وطنية وهوية الجولان المحتل؟
لماذا اتخذتم قرارًا جماعيًا بشكل فردي ومستهتر بجميع الجولانيين؟
لماذا لستم واعين لقضايا لا تقل خطورة عن الرياضة في الجولان؟
ماذا- وهنا السؤال لكل أفراد المجموعة- فعلتم للجولان؟؟
بدون عذر منكم، ممارستكم لا تشرفني شخصيًا كمواطن في الجولان السوري المحتل.. كأب.. وكفاعل في المجال الثقافي، فهذا الموقف ليس موقفًا وطنيًا كونه صادرًا عن عقلية أحادية التفكير تحاول تلبيسنا موقفاً لسنا شركاء بصنعه، أنا لا أستهتر بأحد لكن أقولها وبكل صراحة أن "الأبطال" الذين هجموا على الملعب أبعد بكثير من أن يمثلونني أو يمثلوا المجتمع الجولاني.
ليست هذه القضية العينية هي الأساس في ما أريد طرحه، إنما المبدأ الذي بدأت تسير عليه الأمور مؤخرًا، أو بالأحرى تُسيّر عليه، وهنا أقول لكل من يعتبر نفسه نشيطًا في العمل السياسي في الجولان أن يقيّم نفسه جيدًا، فاليوم نحن نشهد تنوعًا في مجتمعنا لا يسمح لأحد بأن يتحدث باسم الجميع أو أن يقوم بممارسات تنعكس على الجميع، وإذا كانت هناك ضرورة لمواقف جماعية فيجب أن تصدر عن وفاق جماعي تمثل الجميع حتى وإن كانت خاطئة.
لا شك أن الجولانيين، ومنذ بداية الاحتلال، عملوا على الحفاظ على الهوية السورية بشكل رائع بالرغم من العلاقة المباشرة مع الأجهزة الإسرائيلية، واستطاعوا وبجدارة خلق ثقافة جولانية غير إسرائيلية بل عربية محضة. هذا الإنجاز شارك به الكثيرون، وهنا أريد أن أذكر الفاعلين على الساحة السياسية بأن هناك جيلاً شابًا ينطلق من هذه الإنجازات ويمضي بها إلا الأمام، فنشهد اليوم حركة ثقافية وفنية بالغة الأهمية في الحفاظ على الهوية. فأرجو منكم أيها "القياديين" ألا تنسوا بأن في الجولان مثقفين، فنانين، موسيقيين، مسرحيين وكتابًا يحملون الجولان وقضيته إلى خارج الجولان، ينجزون أكثر بكثير من الشعارات والخطابات، ولهم الحق بالمشاركة في القضايا المصيرية في الجولان.
آن الأوان لأن نضع الأمور في نصابها، ونعطي للمصطلحات والتعريفات المضامين الصحيحة، وأن نعي جيدًا بأنه لا مكان في الجولان المحتل لسياسة "الإصطفال" والتجاوز وانتهاك الحقوق. وعلى كل مجموعة تريد المشاركة بالحدث الجولاني أن تنطلق من الحوار الإيجابي البناء، وليس من الفحولة التي تظنها بطولة.
لهذا أتوجه لجميع النشطاء ولجميع الجولانيين بالعمل على عقد مؤتمر للحوار من أجل:
- محاربة العنف
- وضع محاور متفق عليها بشأن القضايا الجولانية وخصوصًا السياسية
- احترام الاختلاف في الآراء والمواقف
- العمل على إيجاد صيغة مرجعية علمانية

ملاحظة:
 لا تقبل التعليقات على هذه المقالة نزولا عند رغبة الكاتب. يمكن للراغبين الرد بكتابة مقالة تعبر عن رأيهم
 

 المقالات الواردة تعبر عن رأي كاتبيها فقط